برقٌ فرعدٌ ثمّ مطرٌ… مطرٌ وبرَدٌ فثلجٌ…
توتّرٌ فمعركةٌ ثمّ حربٌ… حربٌ ودمارٌ فسِلمٌ…
رضيعٌ فطفلٌ ثمّ مراهقٌ… مراهقٌ وراشدٌ فعجوزٌ…
هكذا هي الحياة، أحداثٌ متتالية وأيّامٌ متسارعة؛ أماكن باقية وذكرياتٌ هائمة… بشكلٍ طبيعيّ تتنقّل أنتَ يا صديقي بين كفَّي الحياة والموت، فتارةً تميل الدفّة إلى الأولى، وتارةً أخرى إلى الثانية.
في الحياة مَن يتمنّون الموت، وعلى فراش الموت مَن يتمسّكون بالحياة… مفارقةٌ قد تبدو لنا طبيعيّة، ولكنّها في قمّة الغرابة. فعلاً! نقتحم هذه الحياة بغير رضانا، ونُقتَلَعُ منها بغير رضانا أيضًا، ولا مَن يُرضينا!
في الحياة حُفاةٌ ينتعلون الفقرَ المدقع وما من عينٍ تبصر، وشُكاةٌ يصرخون وما من أذنٍ تسمع، وقُساةٌ يَظلمون وما من قلبٍ يحنّ! في الحياة قُضاةٌ يحكمون بقانونِ الرشوة، وطُهاةٌ يسمّمون عقول الإخوة، ورُعاةٌ يسهرون على تأجيج العداوة. في هذه الحياة فتاةٌ مشتهاة وحقٌّ مهدور، ولامبالاةٌ وشهود زور، ولا مواساة ولا مساواة. مُقاساةٌ ومعاناةٌ، وأدنى شروط العيش غير مستوفاة! إلى مَن يقرأ، مناجاةٌ ومُناداة!
في الحياة أيضًا بقلاوة وحلاوة وقهوة، وأبوّة وبنوّة وأخوّة، وشهوة ونزوة ونشوة، ومالٌ وجاهٌ وثروةٌ. في الحياة نقاوة ونداوة، وأحزانٌ ممحوّة، وآمالٌ مزهوّة. ولكن، بين هذه الحياة والمقلب الآخر من الحياة هفوة، وكم عميقة هي الهوّة!
في الموت كلامٌ يتفاوت ومنطقٌ يتماوت. في الموت تابوتٌ يَستر، وبيوتٌ تَستَتِر، ويخوتٌ تَتَبخّر. في الموت جبروت يُداس وصوتٌ يُغتال. في الموتِ ديناميتٌ يفتّت القلوب، ووقتٌ يباغتُ الكَذوب، ومَقْتٌ يشعل الحروب.
في الموت أيضًا صَمتٌ يطوّق المكان والزمان، ورفاتٌ تتشوّق لها الأذهان، وسُباتٌ عميق تقشعرٌّ له الأبدان.
بين الحياة والموت تاءٌ، في الأولى مربوطة وفي الثانية مبسوطة. في الحياة تاءٌ تربطك بملذّاتها، وتنسيكَ جوهرها، وتوقعك في فخّها؛ وفي الموت تاءٌ تبسطك بتجرّدٍ أمام الخالق، وتحاسبك وتدينك، وتزجّك في الجحيم أو ترفعك إلى النعيم. فلتتعلّم يا صديقي قواعد كتابة التاء، مربوطةً كانت أم مبسوطة، في الحياة قبل أن يفوت الأوان في الممات!