أعود بذاكرتي اليوم إلى أيّام الدراسة، إلى تلك المقاعد الخشبيّة التي خبّأت في تشقّقاتها ما يكفي من صداقاتٍ، وابتساماتٍ، وتشنّجات.
أعود بقلمي إلى زمنٍ تميّزت فيه بعض المؤسّسات التعليميّة في لبنان، وذاع صيتها، وتخرّج من أروقتها آلاف الطلاّب.
أعود بشكري إلى مدرسةٍ لمع نجمها عاليًا في سماء التربية الدينيّة، والوطنيّة، والأخلاقيّة، والبدنيّة، وراهباتٍ سَهِرنَ وتعبنَ لكي تبقى ثانويّة راهبات المحبّة في الأشرفيّة وجهةً تثقيفيّة راقية رائدةً في مجال التربية والتعليم.
أعود بحنيني إلى صفوف تزقزق على شبابيكها العصافير، وملاعب انفرجَت فيها الأسارير، وحديقة يحلو فيها التصوير، وكنيسة مميّزة يحاكي سكونها الضمير.
أعود إلى العام 1990، إلى ذلك اليوم الذي كنتُ أبكي فيه وأصرخ، متأثّرةً بغيري من الأولاد، غير قادرةٍ على الانفصال عن أمّي التي انهمرت الدموع من عينيها من دون إذن. ذلك اليوم الذي لا يختلف بمظاهره عن يوم التخرّج في أيّار 2004: فأمّي عبثًا كانت تحاول أن تأسر دموعها، وأنا كنتُ كمَن يؤدّي دورًا في مسرحيّةٍ أنتظر انتهاءَها لكي أعود إلى روتيني اليوميّ، غير قادرةٍ على الانفصال عن أمّي الثانية التي ربّتني أربع عشرة سنةً ومنحتني صديقاتٍ لا تزال المحبّة والألفة تجمعني بهنّ.
اليوم، من قلب الحنين والتقدير، أكتب عن مدرستي الغالية: École Secondaire des Filles de la Charité.
ماذا يعني أن تكون تلميذًا في مدرسة راهبات المحبّة؟
تأسّست المدرسة العام 1952 وهي تضمّ اليوم حوالى 1200 تلميذ و800 عائلة. لن أغوص كثيرًا على تاريخ المدرسة لأنّها بغنى عن التعريف من ناحية، ولأنّ هذه المعلومات موثّقة ويسهل الحصول عليها من ناحية أخرى. ما أريد أن أضيءَ عليه في هذه السطور، هو ما قدّمته هذه المؤسّسة التعليميّة لي ولزملائي من أسلحةٍ ثقيلةٍ في تمدّنها وحضارتها ننهش بها حبر الصفحات ونصوّبها نحو تطلّعاتنا وأهدافنا.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك إنسانٌ كبرتَ على تعاليم القدّيس مار منصور دو بول ولويز دو ماريّاك، وتشعر بأنّكَ معنيّ عندما يتمّ الحديث عنهما.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك تحمل في قلبكَ صلاة: “يا مريم البريئة من الخطيئة الأصليّة، صلّي لأجلنا نحن الملتجئين إليكِ”، وتتذكّر كنيسة المدرسة في كلّ مرّة تَسمعُ فيها أنّ أحد معارفكَ قد ذهب في رحلة حجّ إلى لورد، وتتحدّث عن الأيقونة العجائبيّة بشغفٍ وإيمان.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك أُغرمتَ بموسيو جيرار، وتمتّعتَ بحصص موسيو جان-بيار، وعوقبتَ في صفوف مدام دنيز، وانبهرتَ بأناقة مدام هدى، وأُعجبتَ برقيّ مدام هوغيت، وتأمّلتَ بهدوء مدام ريموند، وبقيتَ مستيقظًا لتحرّكات مدام ماري-تيريز، وذُهلتَ بطيبة مدام فيفيان، وأدهشتكَ معرفة مدام أورتانس، وحماسة مدام رولاّ، وجدّية ميس رينا، وصرامة مدام آمال، وسلام الآنسة بتسا، وتفاني موسيو بول، وحسّ موسيو فادي الفكاهي، وقسوة مدام أولغا…
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أن تنتظر أن تحضر مدام جانين وتحشوكَ بالمعنويّات اللازمة والتشجيع الضروريّ الذي أنتَ بحاجةٍ إليه قبل أن تدخل قاعة الامتحانات الرسميّة.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أن تعرف موسيو غسّان، وموسيو لويس، وموسيو جورج، وتتذكّر تلك الأيّام القليلة التي “كان الأوتوكار يسبقك فيها” صباحًا أو يتعطّل مساءً. طبعًا، لا يمكننا أن ننسى موسيو سعيد، ومدام نوال (tenue de sport)، ومدام جاكلين.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أن تعترف بفضل مدام وفاء عليك، وبالراحة النفسيّة التي كنتَ تشعر بها عندما يحين موعد النزول إلى الـ CDI والالتقاء بمدام ريتا التي ترفّه عنك.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أن تتذكّر أستاذتَين عظيمتَين انتقلتا إلى الحياة الأخرى هما السيّدتان منى عون ونوال موراني التي جعلتني أعشق اللغة العربيّة وأقرأ ما كتبَ المتنبّي.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك شخص منضبط، ومهذّب، و”شاطر” في نظر معظم الناس.
- أن تكوني تلميذةً قديمةً في “العزاريّة” يعني أنّكِ أمضيتِ سنوات الدراسة في صفٍّ يغلب عليه جمع المؤنّث السالم.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك تحنّ إلى سور ماري سوزان وهرّها (غاب اسمه عن بالي، الرجاء لمَن يعلم عنه أيّ شيء أن يتّصل بي ويخبرني)، وسور رانيا، وسور ماري-مادلين، وسور كارولين، وسور لطيفة التي لا أعرفها شخصيًّا، وسور ديالا… ومَن عساه ينسى سور ليديا التي ارتبط اسمها وصوتها بصفوف الروضة؟
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أن تتمنّى أن تعود إلى مقاعد الدراسة لكي يعلّمَك أساتذة لم يعلّموك على مثال موسيو أكرم.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك تحتفظ بذكرياتٍ طيّبة في الـ grande salle، وتشمّ رائحة المنقوشة الصباحيّة، وتنقل فروضَك قبل أن يرنّ الجرس.
- أن تكون تلميذًا في “العزارية” يعني أنّك تخبّئ خلف كلّ حجرة من حجارها الصفراء قصّةَ طفولة ومراهقة، وأنّ كلّ لوح قرميد فيها يشهد على صداقات نُسجت، وليلاتٍ طالت، وثقافات تعدّدت.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك كبرتَ على الأسس الإيمانيّة المسيحيّة، ورسّختَ في قلبكَ إيمانًا بربّكَ يسوع المسيح، ومحبّةً لقريبكَ.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك شاركتً في مسابقات عديدة، وحضّرتَ مسرحيّات مشوّقة، ورقصت على أنغام الموسيقى، ورسمتَ ولوّنتَ ومارستَ رياضاتٍ ونشاطات عديدة.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك تملكُ الفرصةَ لكي تكون متفوّقًا في الامتحانات الرسميّة، ومتميّزًا في جامعتكَ، ولامعًا في عملك.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك تختصر الأشرفيّة كلّها بشارع أديب نحّاس.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك تشعر بدفء المكان وتوقّف الزمان ما إن تطأ أرض المدرسة مجدّدًا.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك تحبّ “العزاريّة” وأساتذتها من صميمك، وترغب في تسجيل أولادك فيها، وأن يعيشوا خبرتكَ.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك تفتخر بمدرستكَ وتشكر أهلكَ على خيارهم.
- أن تكون تلميذًا في “العزاريّة” يعني أنّك، لو عاد بك الزمن إلى الوراء، ستكون غير مرّةٍ تلميذًا في “العزارية”.
وبعد… يكثر الكلام ويقلّ المتاح للكلام، وتضيق بنا الأحرف، ويبتلعنا الشوق إلى الماضي.
من قلب مونتريال الغارقة بالثلوج والمثقلة بلفحات الصقيع والبرد، أعبّر عن امتناني الحارّ والدافئ لمدرستي، والقيّمين عليها، وأساتذتها، وأتمنّى (وأنا على ثقة تامّة) أن تحفظ الشعلة التربويّة التي يحملونها، وبشفاعة قدّيسيها، مكانًا قيّمًا لها في التاريخ التعليميّ اللبنانيّ.
I’m so glad I found this website, my family and I left Lebanon in 1969. I was a student at the Immaculee Conception, Ashrafieh. I have been trying to locate some people I knew. Here some of the names: Therese Haddad, Georgette Hosny, Marie Dleptani, Souhaila Haddad. I found Norma Touma but unfortunately she didn’t remember me although we were togetger in Girl Scout. I went back to Lebanon about 3 years ago and I had the best time of my life. I went to the school to show my husband the area and the school i went to again unfortunately the gate was closed and no one would answer the bell at the reception room. As i remembered where Norma Touma lived I went by her house but no one would answer the door either, I figured they were away in the mountains on vacation. But if someone knows any of those ladies please let me know. My e-mail is:t.nouh1@yahoo.com. i also want to wish all a Merry Christmas and a Happy New Year. God bless Lebanon
LikeLike
Tres bien dit 👏👏👏👏👏 Etre une ancienne de cette école et fière de l’être, c’est jamais oublier les maîtresses qui nous ont aimé et tant donné de leur Coeur, les soeurs qui nous ont appris la prière et la Jeunesse Mariale… 💜💜💜
LikeLike
Tellement vrai!
LikeLike
C’est touchant…pas de commentaires…vous avez tout dis…
LikeLike
Merci! Les sentiments sincères se traduisent toujours par des mots touchants!
LikeLike
It was a Great Moments
Miss it soo much
LikeLike
Yeah really!
LikeLike
tres beau texte et tres beau souvenir ses souvenirs rechauffent le coeur rizkallah 😘
LikeLike
Merci 😘
LikeLike
Salut! Tres beau texte Claire, tu as reveille en moi l’ancienne eleve de la MP… Mais ayant cotoye feu Sr Marie-Suzanne, je ne peux qu’intervenir pour corriger a celles qui ont repondu a ta question sur le nom de son chat noir et blanc: c’etait LOUSTIC! (Ni Moustique ni Moustache 😉
Bises a toutes :*
LikeLike
Salut salut! Merci pour l’info et pour vos mots 😘
LikeLike
Le chat de Soeur Marie-Suzanne s’appelait “Moustique” 😉
LikeLike
Loustic plutot 🙂
LikeLike
🙂
LikeLike
So touching article, beautifully written! Well done and by the way the cat is called Moustache… have a nice day xxx
LikeLike
Thank you for you sweet words 😊
LikeLike
A big thanks for my old school
LikeLiked by 1 person
I love my school, my church and all teachers and mothers and fathers I meet.
LikeLike
They are all great teachers and our school is the best!
LikeLike
Am I the only one getting emotional after reading this? Or is it Montreal effect and being so far from what once used to be our 2nd home?? Plus I just learned that Mme Mourani passed away😔😔
LikeLike
I am in Montreal too 🙂
LikeLike
And we will never forget soeur sassine , soeur paul and frere louis never never with love
LikeLike
I didn’t speak about them because I don’t know them! But they must be great sisters!
LikeLike
Super beau Claire! Ça me réchauffe le coeur! 💜💜💜 toute mon affection!
LikeLike
😘😘😘
LikeLiked by 1 person